التريث والتثبت عند الاستفادة من الرجال وتزكيتهم:
الكثير من الأخيار يثق بالشخص بمجرد جلسة أو جلستين معه، وقد يزكيه ويرفع من شأنه، وهذا ليس من المنهج السليم شرعاً ولا عرفاً، فكم من إنسان تظن أنه محب للخير مدافع عنه، وسرعان ما ينكشف لك أنه مصلحي يسعى لنفسه، أو يتبين لك أنه لئيم الطبع خبيث المعدن لا يعترف بالجميل بل يقابله بالإساءة.
عن عبد الله بن حنيف قال: قال عمر بن عبد العزيز لمحمد بن كعب القرظي: ((أي خصال الرجل أوضع له؟ قال: كثرة كلامه، وإفشاء سره، والثقة بكل أحد)).
وقد وضع السلف الصالح منهجاً في التثبت والتريث في معرفة الرجال:
شهد (رجل) عند عمر شهادة فقال له: لست أعرفك، ولا يضرك ألا أعرفك، ائت بمن يعرفك، فقال رجل من القوم: أنا أعرفه، قال: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة، والعقل.
قال: هو جارك الأولى الذي تعرف ليله، ونهاره، ومدخله، ومخرجه؟ قال: لا.
قال: فعاملك بالدراهم، والدينار اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا.
قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا.
قال: لست تعرفه؟ ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك.
طلب عمر بن الخطاب الأحنف بن قيس، فأبقاه عنده سنة يراقبه ثم قال له: (( يا أحنف، قد بلوتك وخبرتك فلم أر إلا خيراً، ورأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، فإنا كنا نتحدث: إنما أهلك هذه الأمة كل منافق عليم)).
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: (( أما بعد، فأدن الأحنف بن قيس وشاوره، واسمع منه)).
قال الحسن البصري: (( اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا قولهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولاً حسناً فرويداً بصاحبه، فإن وافق قوله عمله فنعم، ونعمة عين، فآخه، أحببه، وأودده، وإن خالف قولاً وعملاً فماذا يشبه عليك منه، أو ماذا يخفى عليك منه؟ إياك وإياه، لا يخدعنك)).
وتجد بعض التطبيقات من طلب العلم والدعاة يسارعون بكتابة التزكيات لمن يطلب منهم، بل إني وجدت عن بعضهم نموذج تزكية مطبوع موقع فقط يكتب اسم من يريد تزكيته، وقد يحتج بأن هذا من نفع الناس ولا يخسر شيء
المصدر